: كلية الاتصال

دور الإعلام الرقمي في تشكيل الخطاب القيمي للأسرة في إمارة الشارقة

أسهمت التطورات التكنولوجية الحديثة في ظهور أشكال جديدة من وسائل الإعلام الرقمي والمتمثلة بشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع والتطبيقات الإلكترونية. وقد ﺍﺯﺩﺍﺩﺕ ﺃﺒﻌﺎﺩ ﺍﻟﺩﻭﺭﺍﻹﻋﻼﻤﻲ ﻭﺍﻻﺘﺼﺎﻟﻲ ﻤﻥ ﺨﻼل نمو شبكة الإنترنت وتنوع المنصات الرقمية التي أتاحت للأفراد التواصل والتفاعل على مستوى العالم دون حدود جغرافية أو ثقافية، الأمر الذي ساعد الإعلام الرقمي على أن يصبح أكثر ﻨﻔﺎﺫﺍﹰ ﻭﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﺸﻜﻴل ﻓﻜﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وقيمه ومعتقداته.

واستطاع الإعلام الرقمي أن يجذب شريحة كبيرة من الأطفال واليافعين والشباب الذين وجدوا فيه وسيلة ممتعة لتحقيق الكثير من رغباتهم وإبراز شخصياتهم، ولعل من أبرز تلك التطبيقات عبر الإنترنت فيس بوك وتويتر ويوتيوب وسناب شات وانستغرام، وذلك لسهولة استخدامها ومرونة القيود المفروضة على الاشتراك فيها، إضافة إلى طبيعة الإنسان ورغبته في تكوين العلاقات مع أقرانه، فضلًا عن توفر وقت فراغ في حياة الأطفال واليافعين والشباب، مع محدودية الفرص المتاحة للالتقاء بالآخرين خارج المنزل. وقد تغلغلت هذه التطبيقاتداخل حياة الأفراد وغيرت طابع الحياة الاجتماعية على جميع المستويات سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى المجتمع بشكل عام.

ويعد الفيسبوك وتويتر وإنستجرام من أشهر مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت كما تعد من أحدث منتجات تكنولوجيا الاتصالات وأكثرها شعبية، (خالد، ٢٠٠٨)

ومن هنا يظهر التساؤل حول ﺍﻟﺩﻭﺭ ﺍﻟـﺫﻱ تقوم به ﺍﻟﻤﻨﻅﻭﻤﺔ ﺍﻹﻋﻼﻤﻴﺔ الرقمية ﻓﻲ ﺴﻴﺎﻕ ﺃﺩﺍﺌﻬﺎ ﻷﺩﻭﺍﺭﻫﺎ ﻭﺘﻔﺎﻋﻠﻬﺎ ﻤﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، فهل هي ﺘﻌﺯﺯ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ الإيجابية أم تدعم مجموعة من القيم السلبية أﻭﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻓﻲ ﺍﺘﺠﺎﻫﺎﺘﻬﺎ. وقد ينتج هذا التناقض عن ﺘﻨﻭﻉ ﻤﺼﺎﺩﺭﻫﺎ ﻭﺘﺒﺎﻴﻥ ﺍﻷﺴﺱ ﺍﻟﻔﻜﺭﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ. وقد تعمل هذه المنظومة ﻋﻠﻰ ﺘﻠﺒﻴﺔ ﺤﺎﺠﺎﺕ ﻨﻔﺴﻴﺔ ﻭﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻻ ﺘﺴﺘﻘﻴﻡ ﻭﺍﻟﺨﺼﻭﺼﻴﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺴﺘﻘﺭ ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤـﻊ.

وﺘﻌﺩ ﺍﻷﺴﺭﺓ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻨﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﺭﺩ، ﻭﻤﻥ ﺨﻼل ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻴﻜﺘﺴﺏ الفرد الكثير ﻤﻥ ﺍﻻﺘﺠﺎﻫﺎﺕ ﻭﺍﻟﻘـﻴﻡ، ﻭﻋﺎﺩﺓ ﻤﺎ ﻴﺘﻡ ﺫﻟﻙ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ المحاكاة، ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻡ ﺍﻟﻤﻘﺼﻭﺩ ﻤﻥ الكبار، ﺤﻴـﺙ ﻴﺘﻌﻠﻡ ﺍﻟﻁﻔل القيم والمعتقدات والأفكار والمهارات المختلفة.

وفي هذا الصدد تتباين المواقف حول شبكات التواصل الإلكترونية مإذ ترى وجهة النظر الأولى في هذه المواقع فرصة للبشرية لتبادل الاتصال والمعرفة وو اختزال الزمان والمكان مما يسهم في تقارب البشر ودرجة تفاعلهم و إنشاء علاقات اجتماعية جديدة، فيما ترى وجهة النظر الثانية أن وسائل التواصل الإجتماعي تعد مصدراً للخطر على العلاقات الاجتماعية،و أنها تتقاطع مع التقاليد و القيم المجتمعية ، وتؤدي إلى العزلة وتفكيك النسيج الأسري و الإجتماعي حيث اقتحمت الحياة الأسريةوقللت فرص التفاعل والتواصل بين أفرادها (بوشليبي، ٢٠٠٦ ، ص: ١٤٣)

ومع انتشار وتزايد استخدام الصغار والكبار لوسائل الإعلام الرقمي على تنوعها قد يحدث تباين ربما يصل إلى حد الصراع بين ما تسعى الأسرة إلى غرسه في أبنائها من قيم دينية وثقافية سليمة، وبين ما يتم التعرض له من قيم مغايرة عبر هذه الوسائل التي أصبحت تمارس دوراً بديلاً لمؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى بما تقدمه من محتوى جذاب لقطاع عريض من الأسر يوفر فرص القبول والتقليد والتعزيز للبناء القيمي الذي تقدمه هذه الوسائل مع الأخذ في الاعتبار اختلاف قوة تأثيرها وفق التركيبة النفسية لمستخدمي هذه الوسائل وواقعهم الأسري الحقيقي ﻭﺤﺎﺠﺎﺘـهم ﻭﺨﺼﺎﺌﺹ ﺘﻔﻜﻴﺭهم وأعمارهم ومستوياتهم التعليمية والثقافية.

وقد نتج عن هذا تدفق هائل لمنظومةجديدة من الأفكار والقيم مما أثر على المجتمعات ورفع من الإقتداء غير الواعي بالمجتمعات الغربية، (يحياوي، ٢٠١٩)

ويؤكد (عبد الصادق ٢٠١٤) في دراسة له عن الشباب البحريني أنهم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي من أجل البحث عن معلومات والحصول على الدعم الاجتماعي والتعبير بحرية عن المشاعر والآراء السياسية وتكوين صداقات جديدة والتسوق والدردشة والتسلية والترفيه وشغل أوقات الفراغ ومعرفة اخر التطورات التي تحدث في المجتمع والتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى.

و في نفس الإتجاه، فإن الشاب الذي يقضي أوقاته دون هدف ودون نشاط مثمر سواء أكان بقصد الترويح عن النفس بواسطة برامج هادفة أم بقصد أداء أعمال يقتنع بها وتعود عليه بالفائدة، فإنه سيشعر بالفراغ النفسي الذي ينتج عنه جمود في الشخصية وانحسار في الطاقات فتبقي مكبوتة لا مجال لإنطلاقها في مسارات صحيحة وفي هذه الحالة يكون وقت الفراغ غير المستثمر بدايات لانحرافات سلوكية عديدة ينتج عنها عدة مشكلات للفرد منها مشكلات مع الذات ومشكلات مع الأسرة ومشكلات مع المجتمع (أحمد، ٢٠٢٠ )

فلجوء الشباب الي الاستخدام المفرط لشبكات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى عزلهم عن واقعهم الأسري وعن مشاركتهم في الفعاليات التي يقيمها المجتمع، بالإضافة لانعدام الخصوصية لديهم وانغماسهم في التواصل الافتراضي على علاقات الشاب الحقيقية مما يؤدي إلى أضرار معنوية ونفسية ومادية (سلام، ٢٠١٥ )

فيؤثر الاستخدام المفرط من الشباب الجامعي لمواقع التواصل الاجتماعي إلي عدم القدرة علي تكوين علاقات اجتماعية إيجابية والشعور بالعزلة الاجتماعية واضاعة الوقت (٢٠٠٥) Niemz & others وتفضيل المجتمع الافتراضي علي المجتمع الواقعي

و في دراﺳـﺔ ( (Sapsaglam, 2018ﺑﻌﻨﻮان "social media awareness and usage in preschool children ﻜﺸــﻒت ﻋﻦ ﻣﺪى ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷطﻔﺎل ﻗﺒﻞ ﺳـــﻦ اﻟﻤﺪرﺳـــﺔ لوسائل اﻟﺘﻮاﺻـــﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أن ﻏﺎﻟﺒﯿﺔ اﻷطﻔﺎل ﺗﻌﺮﻓﻮا إﻟﻰ ﺗﻄﺒﯿﻘـﺎت وﺳــــﺎﺋـﻞ اﻟﺘﻮاﺻــــﻞ اﻻﺟﺘﻤـﺎﻋﻲ، وﯾﺤـﺎوﻟﻮن ﻓﺘﺢ اﻟﺘﻄﺒﯿﻖ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﮭﻮاﺗﻒ اﻟﺬﻛﯿﺔ اﻟﺨﺎﺻــــﺔ ﺑﺂﺑﺎﺋﮭﻢ ، ﻛﻤﺎ أوﺿــــﺤﺖ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ أن ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﯿﻮﺗﯿﻮب ھﻮ اﻷﻛﺜﺮ اﺳﺘﺨﺪاﻣ ًﺎ ﺣﯿﺚ ﯾﺸﺎھﺪ اﻷطﻔﺎل ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮫ اﻟﺮﺳﻮم اﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ وﻣﻘﺎطﻊ اﻟﻔﯿﺪﯾﻮ.

ثم ﺟﺎءت دراﺳﺔ ( Marengo, Longobardi, Fabris, & Settanni 2018 ) ﺑـــﻌـــﻨـــﻮان : Highly-visual social media and internalizing symptoms in adolescence: The mediating role of body image concerns عن اﻷطﻔﺎل اﻟﻤﺮاھﻘﯿﻦ ووﺳـﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮاﺻـﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أن اﻻﺳـﺘﺨﺪام اﻟﺪاﺋﻢ ﻟﮭﺬه اﻟﺘﻄﺒﯿﻘﺎت ﻗﺪ ﯾﻨﺘﺞ ﻋﻨﮫ ﺗﺰاﯾﺪ اﻻھﺘﻤﺎم ﺑﺼـﻮرة اﻟﺠﺴـﺪ وﺗﻐﯿﺮاﺗﮫ ﻟﺪى اﻟﻤﺮاھﻖ ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﯾﺴـﮭﻢ ﺑﺪوره ﻓﻲ ﺿﻌﻒ اﻟﺘﻜﯿﻒ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻤﻮ.

شارك

قصص بحوث أخرى قد تعجبك