: مركز دراسات الاسرة و الطفل - RIHSS

توعية أولياء الأمور بإجراءات السلامة المنزلية وطرق الوقاية من إصابات الأطفال

المقدمة

إن الطفولة هي المستقبل ومصدر الطاقات البشرية للأمم ، لذا يرى علماء النفس والتربية أن مرحلة الطفولة تؤثر على المراحل القادمة من حياة الإنسان، حيث تعتمد سلامته النفسية والعضوية على ما مر عليه في تلك

المرحلة من أحداث ومواقف، فإما يخرج فرداً نافعاً لمجتمعه، أو تسبب ضرراً له. ومما لاشك فيه أنَّ تربية الأطفال مهمة صعبة جدًا، لأنها تمهيد لظهور قائد ناجح ومهندس وطبيب ومعلم وغيرها من المهن التي تترك بصمة في المجتمعات، باعتبار الطفل عنصراً رئيساً وفعالاً في تقدم المجتمعات كافة ، ما يجعل القائمين على شؤون تربيته معنيين بتحديد الأهداف وبناء المناهج، وممارسة الأساليب التربوية التي تتناسب مع حاجاته وخصائص نموه المختلفة (الحبيب،1995) . فقد أكدت البحوث النفسية والدراسات التربوية والصحية أنَّ سن ما قبل المدرسة من أحرج مراحل نمو الأطفال، و من أكثر الفئات العمرية حاجةً إلى تأمين احتياجاتهم لأجل الوصول بهم إلى النمو السليم، إضافةَ إلى توفير عناصر السلامة لهم ، وأنهم أكثر فئة عمرية عرضة للحوادث و ما ينتج عنها من إصابات ووفيات ،كونهم لايزالون غير قادرين على التمييز بين المخاطر، ويتطلعون إلى اكتشاف ما حولهم ومعرفة كل ما هو جديد، إضافةً إلى زيادة قدرتهم الحركية عن ذي قبل، ما يعني تمكنهم من الوصول إلى مصادر الخطر المحيطة بهم فى كل مكان، سواء داخل المنزل أو خارجه كالأدوات الكهربائية ، والأدوات الحادة ، والماء الحار ، وأحواض السباحة، ومخاطر المطبخ ، والألعاب بأنواعها .

وتعتبر الوقاية من الحوادث وتهيئة البيئة الآمنة للأطفال من أهم الأولويات التي تقع على عاتق الوالدين والقائمين على رعايتهم ، ومن أهم الإجراءات والتدابير التي يجب توفيرها لمنع أضرار الحوادث والإصابات الخطيرة أو الوفاة ، الأمر الذي يجعل آثارها عميقة وممتدة إلى مراحل طويلة من حياة الإنسان، ويستوجب الاهتمام بها والتخطيط لها وتوفير البيئة الآمنة من خلال الوقاية والإسعافات الأولية واتخاذ كافة الإجراءات التي تحافظ على سلامة وحياة الأطفال سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية، باعتبار هذه الحوادث مشكلة مهمة في المجتمع يجب الانتباه لها قبل حدوثها لا بعدها. (البلجيهي ، أمل أحمد، 2017 ،613-626)

وبالرجوع إلى بيانات العديد من الدراسات المتخصصة التي أجريت حول الحوادث غير المقصودة التي يتعرض لها الأطفال داخل وخارج منازلهم ، وفي ضوء التقرير العالمي للوقاية من إصابات الأطفال، الذي يعد أوّل تقييم عالمي تقريبي لإصابات الأطفال غير المتعمّدة، والذي أصدرته منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة اليونيسيف عام 2008، وشارك في إعداده 180 خبيراً من 56 دولة عبر العالم، وكان له دور بارز في توجيه الدراسات العلمية لتسليط الضوء على الحوادث المنزلية التي يتعرض لها الأطفال عبر العالم، وكانت سبباً رئيسياً في وفاتهم، فإنّ الإصابات غير المتعمّدة أو العارضة تؤدي إلى وفاة أكثر من 2000 طفل كل يوم، وتحيل عشرات الملايين من الأطفال الآخرين في العالم إلى المؤسسات الاستشفائية، كما تؤدي في كثير من الأحيان إلى حالات عجز صحي قد تدوم مدى الحياة، مخلفة آثاراً سلبيةً عميقةً على جودة حياة الطفل بجوانبها النفسية، والاجتماعية، والتعليمية، والترفيهية. كما أكد التقرير على خطورة الظاهرة وانتشارها في جميع دول العالم المتقدمة منها والنامية، وشدّد على ضرورة اتخاذ التدابير اللاّزمة للوقاية منها. (WHO & UNICEF, 2008, VII)

ففي عام 2004، تعرّض ما يقارب من 950 ألف طفل دون سن 18 عاماً لحوادث مختلفة، ومثّلت الحوادث غير المقصودة نسبة 90% منها. ومن الملفت للانتباه أن حوادث المرور والغرق والحروق والسقوط تسببت في وفاة 60% من هؤلاء الأطفال، فيما تسببت حوادث الاختناق ولدغات الحيوانات وارتفاع وانخفاض درجة حراة الجسم في وفاة 23% منهم، كما أن 98.1% من هذه الوفيات حدثت في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وتشير الدراسات إلى أن الحوادث المنزلية غير المقصودة أضحت واحداً من الأسباب الرئيسة لوفاة الأطفال في العالم، وأنها ترتبط بالمتغيرات الاجتماعية- الاقتصادية للدول، حيث يشير التقرير إلى أن معدل وفيات الأطفال بسبب إصابات غير مقصودة أعلى بمقدار 3.4 مرة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل عنه في الدول ذات الدخل المرتفع، مما يعني أن وضع الاستراتيجيات الوقائية، والالتزام بتنفيذ تدابير السلامة المنزلية وفي محيط المنزل، وتكثيف جهود التوعية والتثقيف الصحي، يمكنها أن تلعب دوراً جوهرياً في الحد من هذه الحوادث.

ومع ذلك، ينبه التقرير إلى أن نجاح الدول مرتفعة الدخل في تخفيض معدل الوفيات الناجمة عن إصابات الأطفال غير المقصودة، بنسبة 50% خلال الفترة (1970-1995)، لا يحسم القضية، طالما أن الإصابات غير المتعمّدة لا تزال تمثل 40% من مجموع وفيات الأطفال في تلك الدول. حيث تشير المسوح التي أجريت في دول جنوب وشرق آسيا، إلى أن الحوادث غير المقصودة مسؤولة عن 30% من وفيات الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1 و3 سنوات، و40% من وفيات الأطفال الذين يبلغون من العمر 4 سنوات، و50% إلى 60%من وفيات الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا . وكشف التقرير عن أبرز الحوادث المنزلية غير المقصودة التي يتعرض لها الأطفال، والتي تمثل العوامل الرئيسة المسببة للوفاة كما يلي:

2)-WHO & UNICEF, 2008, Pp 5)

- حوادث الغرق : تؤدي حوادث الغرق إلى وفاة أكثر من 175 ألف طفل كل عام، 98.1% منها في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، فيما ينجو نحو 3 ملايين طفلاً من حوادث الغرق كل عام. وتعتبر حالات الغرق غير المميتة من أخطر الحوادث غير المقصودة التي يتعرض لها الأطفال، بسبب الضرر الذي تلحقه بأدمغة بعض الناجين منها، فضلاً عن آثارها النفسية طويلة الأمد. (WHO & UNICEF, 2008, 59)

- حوادث الحروق :تؤدي الحروق الناجمة عن النار إلى وفاة نحو 96 ألف طفل كل عام، والمُلاحظ أنّ معدلات الوفيات ذات الصلة المُسجلة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تفوق المعدلات المُسجلة في الدول مرتفعة الدخل بحوالي 11 ضعفاً. (WHO & UNICEF, 2008, 80)

- حوادث السقوط : يتعرّض نحو 47 ألف طفل كل عام لحوادث سقوط تودي بحياتهم، غير أنّ مئات الآلاف من الأطفال الآخرين يتعرّضون لإصابات أقلّ خطورة. والمُلاحظ أنّ معدلات الوفيات ذات الصلة المُسجلة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تفوق المعدلات المُسجلة في الدول مرتفعة الدخل بحوالي 3 أضعاف. (WHO & UNICEF, 2008, 102)

- حوادث التسمّم : يؤدي التسمّم غير المتعمّد إلى وفاة أكثر من 45 ألف طفل كل عام. والمُلاحظ أنّ معدلات الوفيات ذات الصلة المُسجلة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تفوق المعدلات المُسجلة في الدول مرتفعة الدخل بحوالي 4 أضعاف. (WHO & UNICEF, 2008, 123)

ويؤكد التقرير في فصله الأخير على النتائج الإيجابية التي يمكن أن تحدثها تدابير الوقاية وجهود التوعية في الحد من الحوادث غير المقصودة للأطفال، لاسيّما الإجراءات التي أثبتت فعاليتها في العديد من الدول ذات الدخل المرتفع، والتي تشمل: وضع التشريعات التي تكفل الحماية الكاملة للطفل، توفير شروط السلامة المنزلية، تأمين البيئة المحيطة بالمنزل، تعزيز خدمات الرعاية الطبية الطارئة وخدمات التأهيل، تضمين قواعد السلامة المنزلية في المناهج التعليمية، وتكثيف حملات التثقيف الصحي.

ومن المفروغ منه أنَّ كلَّ مالٍ يُنفق أو جهد يبذل في سبيل رعاية الأطفال وتنشئتهم في مرحلة الطفولة، هو تأمين لمستقبل المجتمع ككل، وقد بات واضحاً أنّ مجتمع الإمارات العربية المتحدة شريكٌ فاعلٌ في صنع المستقبل، فقد أنشأت الدولة الكثير من المراكز المتخصصة بالأطفال والتي تسعى لحمايتهم وضمان حقوقهم، وتوفير حياة كريمة وهادئة لهم، ليس هذا فحسب بل اتجهت بآفاقها إلى الدراسات التفصيلية والأبحاث التي تدور حول الطفل بشكل عام، وتتناول جميع الجوانب المتعلقة به، الأمر الذي يعكس مدى اهتمامها بالطفولة وتنشئتها، وبنوعية السياسات الموجهة التربية السليمة للأطفال وتثقيف ذويهم والقائمين على رعايتهم .

ونظراً لأهمية الطفولة كأحد مدخلات تطور المجتمعات، وعلى اعتبار أن الأسرة المعاصرة تعيش تحدياتٍ جديدةً وتغييرات متسارعة على صعيد العلوم والتكنولوجيا أثّرت في جوانب حياتها ، إلى جانب اختلاف العصر الحديث اختلافاَ جوهرياً عن القرن الماضي وبالتالي اختلاف طرق التربية والأساسيات التي قامت عليها الأبحاث السابقة، فقد أصبح الاهتمام بالطفولة حتمية حضارية، وضرورة حياتية ملحّة في المجتمع المعاصر، وكان من الضروري إجراء دراسة حول الطفل بشكل نموذجي تهدف إلى إيجاد أفضل الطرق لتعزيز إرشادات السلامة وآليات الحد من حوادث الأطفال ،وذلك من خلال رفع وعي أولياء الأمور بالسلامة المنزلية وأساليب الحد من الحوادث.

شارك

قصص بحوث أخرى قد تعجبك